آخر الأخبار

الإرهاصات السياسية والدبلوماسية لإسرائيل وأمريكا في الشرق الأوسط

إعداد : وائــل الــراوي

في تصريحات له في وسائل إعلام إسرائيلية، كرَّر نتنياهو ما سبق أن قاله مراراً بأنَّ حكومته مستمرة في المضي قُدُماً في رغبتها بتغيير وجه الشرق الأوسط. وأضاف إلى ذلك مؤخراً قائلاً إنَّ حكومته لن تقبل بقيام خِلافةِ إسلامويَّة على شاطئ البحر المتوسط. وبالتأكيد، فإن النبرة التي يتكلَّم بها تدل بوضوح على تأييد الولايات المتحدة الأمريكية المطلق للرؤية الإسرائيلية في ما يتعلق بالشرق الأوسط. وهذا الاهتمام والتصميم يبيِّن اهتمام إسرائيل وأمريكا بالشرق الأوسط الذي يسعون لتغييره كما يناسب مصالحهم، وخاصةً الآن مع مخاوفهم من إقامة الإدارة السياسية في سوريا، ورئيسها الانتقالي أحمد الشرع، إمارةً إسلاميَّة متطرِّفة أو خِلافةً إسلامويَّة في سوريا.

في الواقع بدأ هذا التوجه الأمريكي نحو الشرق الأوسط يتركز منذ النصف الثاني من عام 2020، بالحديث عن شرق أوسط جديد يسودُ فيه السلام والاستقرار، وذلك عن طريق ما سُمِّي بـ “اتفاقيات أبراهام/إبراهيم”. وبموجب هذه الاتفاقيات تم التوصل إلى تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع إسرائيل، بوساطة وإشراف مباشر من الولايات المتحدة. وبدأ التطبيع الفعلي بين إسرائيل وهذه الدول العربية، من خلال عقد صفقات ضخمة لبيع أسلحة وتنفيذ استثمارات ضخمة وتبادل التمثيل الدبلوماسي ومشاريع تعاون سياسية وعسكرية واقتصادية وتجارية وأكاديمية وثقافية بين الدول العربية وإسرائيل (وأمريكا التي تطمح بذلك إلى التفوق في المنافسة مع الصين).

 ومن أجل تطبيق أجندة الاستراتيجية التي تم الاتفاق عليها لاستقرار الشرق الأوسط، كان لا بد من استكمال الاتفاقيات وتوقيع معاهدة تطبيع بين السعودية وإسرائيل، الأمر الذي كان قد بدأ الاستعداد له في عام 2023. ولكنَّ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، أربك الأمور وتسبب في تأجيل توقيع الاتفاقية ونشر فوضى عارمة في الشرق المتوسط، بعكس ما كان مأمولاً. إلا أن إسرائيل استطاعت، بالتنسيق مع الولايات المتحدة ودعمها الكامل من كل النواحي، التَّغلبَ على تهديد ما دُعي بـ “الأذرع الإيرانية” في الشرق الأوسط: في غزة، ولبنان، والعراق، وسوريا، واليمن. وحوَّلت إسرائيل “انتصاراتها” العسكرية إلى مكاسب سياسية استراتيجية في غاية الأهمية، وخاصةً مع تمكينها (بتنسيق دولي) من إيصال “هيئة تحرير الشام” بزعامة أبو محـمد الجولاني (أحمد الشرع لاحقاً) إلى دمشق وتسليمه السلطة في سوريا، والتحييد الكامل تقريباً للتأثير الإيراني في الشرق الأوسط.

لا شك أن حماية إسرائيل كانت ولا تزال أولوية قصوى في سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع وصول ترامب إلى سُدَّة الرئاسة في أمريكا. فقد سخر ترامب إمكانيات الولايات المتحدة، القوة العظمى التي تقود المجتمع الدولي، ومواردها والاستراتيجية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية لصالح إسرائيل ومكَّنتها من الحفاظ على تفوُّقها العسكري في المنطقة.  

وبالطبع فإن لأمريكا مصالح خاصة في الشرق الأوسط، إضافة إلى دعم وحماية إسرائيل وأمنها. فالولايات المتحدة تسعى للحصول على مصادر الطاقة في سوريا وعدة مناطق في البحر والبر في دول الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب (العدو المرعب لأمريكا)، والقيام بالمزيد من الضغط على دول الخليج (أو تقديم الحماية مقابل المال والصفقات)، وغير ذلك. وقد تبدَّت المصالح  الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل خاص في اقتراح ترامب بأن تستولي الولايات المتحدة على غزَّة وتعيد الإعمار فيها من خلال ما سُمِّيَ بــ “مشروع ريفييرا الشرق الأوسط” (على شاكلة الريفييرا في فرنسا وإيطاليا وتركيا وغيرها)، بالتنسيق مع إسرائيل، بينما يتم تهجير سكان غزة  وتوطينهم في مصر والأردن والدول المجاورة بشكل مؤقت (كما يُفترض).

كما يبدو واضحاً الآن في الشرق الأوسط، فإن أمريكا ستستمر في دعم إسرائيل والتعاون معها في كل ما يتعلق بسياستها نحو بلدان المنطقة. فهي تسعى للهيمنة الإقليمية، وجعل المنطقة سِلميَّة آمنة لها، وتوقيع المزيد من اتفاقيات التطبيع مع العرب، وتقويض قضية فلسطين، والتخلِّي عن حل أو مشروع الدولتين، وفرض نوع من استقرار آمن أو “فوضى خلاقة” في سوريا تحت هيمنتها. وهناك تحذيرات من أن تؤدي هذه السياسة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة، وتزايد خطر التنظيمات والميليشيات المسلحة المتطرفة والإسلاموية، وحدوث اضطرابات أمنية داخلية في الدول المجاورة لإسرائيل، وزعزعة الاستقرار في المنطقة، بينما يحصل الشعب الإسرائيلي على أمان أكثر وفرص ازدهار تنموي واقتصادي أكبر، وتعقد الولايات المزيد من الصفقات (وخاصة في مبيعات الأسلحة) وتقوم بالمشاريع الاستثمارية، ينما تحدُّ من النفوذ الصيني في الشرق الأوسط.

  • Related Posts

    ما وراء الكواليس: مظلوم عبدي بدلاً من الشرع

    بقلم: وائـــل الــراوي عن مصدر إعلامي: مظلوم عبدي بدلاً من الجولاني/الشرع تجري وراء الكواليس، مباحثات سرية غير مُعلنة بعد، بين الأطراف العديدة الفاعلة في المنطقة، تتناول فكرة تعيين مظلوم عبدي-…

    الحكّام في الشام

    إنّ احتضان الآخرين واستدخالهم له شرط لا يمكن الالتفاف عليه بقلم الأستاذ الجامعي: أسعد قطَّان [عن جريدة ((المدن)) الإلكترونية المستقلة] لو كانت سوريا دولةً طبيعيّة، لاستقال السيّد أحمد الشرع فوراً…

    You Missed

    ما وراء الكواليس: مظلوم عبدي بدلاً من الشرع

    • By
    • يوليو 21, 2025
    • 123 views
    ما وراء الكواليس: مظلوم عبدي بدلاً من الشرع

    الإرهاصات السياسية والدبلوماسية لإسرائيل وأمريكا في الشرق الأوسط

    • By
    • أبريل 24, 2025
    • 205 views
    الإرهاصات السياسية والدبلوماسية لإسرائيل وأمريكا في الشرق الأوسط

    الحكّام في الشام

    • By
    • أبريل 4, 2025
    • 224 views
    الحكّام في الشام

    موقفُ إدارة ترامب من سياسة الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا:

    • By
    • أبريل 1, 2025
    • 222 views
    موقفُ إدارة ترامب من سياسة الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا:

    [وجهة نظر] : بعد الكثير مِن “ننتظرُ ونَرى”،  تشكيل الحكومة في ((سوريا الوسطى))

    • By
    • مارس 31, 2025
    • 180 views
    [وجهة نظر] : بعد الكثير مِن “ننتظرُ ونَرى”،  تشكيل الحكومة في ((سوريا الوسطى))

    على أعتاب تحوُّلات مفصليَّة، تعامَلْ مع المُتاح بواقعيَّة..!!

    • By
    • مارس 30, 2025
    • 219 views
    على أعتاب تحوُّلات مفصليَّة، تعامَلْ مع المُتاح بواقعيَّة..!!