من (حـوار مـع الأسـتاذ خطيــب بدلـة)
إعداد وتنسيق: فيكتور إميسايان

فـي لقـاء مفتـوح مـع الأديــب والكاتـب السُّـوري المعـروف ((خطيـب بدلـة))، على قنـاة الشـاعر والكـاتـب ((منصور الناصر))، سُئِلَ الأستاذ بدلة عدة أسئلة. سنحاول هنا تدوينها مع إجابته عليها، وقد جعلناها في لغةٍ فصحى، وقمنا بتنسيقها بشكلٍ نرجو أن يكون لائقاً.
سؤال: مَن الَّذي يتبنَّى شعارَ «مَن يُحرِّر يُقرِّر»؟ هل هم الأغلبيَّة السُّنِّية، أم الجولاني الذي لم يتغيَّر فعلياً وعملياً؟ هل يمنحُ هذا الشِّعارُ الشَّرعية للجولاني الذي يرى قسمٌ كبير من الشَّعب السُّنِّي أنَّه “المُحرِّرُ” أو “الفاتحُ”؟ هل يكون هذا الشِّعارُ ذريعةً يستخدمها الجولاني لينفِّذَ كلَّ ما يرغب به؟ وهل ينبعُ هذا الاختلاقُ من إيمانٍ حقيقيّ بقيادته أم نتيجة واقع مفروض بالقوة؟
الأستاذ بدلة: في رأيي الشَّخصي، هذا أغبى شِعار يُمكن أن يُمنى به بلدٌ أو دولة أو حتى حكومة. وهو أكثر شِعار يُعجِّل بالفشل والإخفاق. أصلاً هم لم يحرِّروا الدولة. ولنفرض أنهم حرَّروها، فإن الدولة تُحكَم بأهلها. وعلى الجولاني أن يتعاملَ مع جميع الأفرقاء، وخاصةً مناطق العلويين، كدولة، وليس كطرف. وطريقةُ تعامل عناصر جماعة الجولاني هؤلاء تُظهرُ أحقادَهم. وبالتالي فأفعالهم هذه هي كَمن يقولُ لهم اذهبوا وتسلَّحوا ثم تعالوا نتقاتل. لكن يجب أن يقولوا لهؤلاء النَّاس إنَّهم مكوِّنٌ سوري، وأنَّه إن جُرِحَ أو انكسر أيُّ مكوِّن من مكوِّنات سوريا، فإننا ننكسرُ جميعاً. ومن ناحيةٍ أخرى، المسيحيُّون الذين يسكنون في سوريا اليوم، كانوا في الواقع موجودين في سوريا حتى قبل أن يأتي الأُمويُّون ويستولوا على دمشق. ومن “السُّريان” (سكَّان سوريا الأصليِّين) اشتُقَّ اسم “سُوريا”. وبالتالي هم أولى بالوجود في سوريا. فإِنْ لَمْ تتعامَلْ مع مكوِّنات الشَّعب السُّوري على أنهم جميعاً سوريِّين، ومحترَمين، ولهم حقوق وعليهم واجبات، فإنَّك تتحوَّل إلى سُلطة دكتاتوريَّة. ويمكننا أن نتَّعظ من نموذج إيران المستمر منذ 40 عاماً، فهو نظامٌ فاشلٌ، لأنَّه يمكن أن يسقط من أقلّ هزَّة، لأنه يُحكِّمُ جماعةً دينيَّةً معيَّنةً ببقية الناس. علماً أن التَّنوع الموجود في سوريا هو أكثر بكثير من التَّنوع الذي في إيران: فلدينا تنوّع قومي، وتنوّع ديني ومذهبي. وهذا التنوّع يحتاج إلى قيادةٍ من قِبَل دولةٍ تكونُ قد دَرسَت، ليس الشريعة الإسلامية فقط، بل السياسةَ والعلومَ السياسيَّة كي تستطيع قيادة دولة، وخاصَّةً أن يكونوا من التكنوقراط (أي ليسوا مُسيَّسين أو ألا يكون لهم إيديولوجيا). فهؤلاء هم الذين يستطيعون بناء دولةٍ حديثة.

وبالنسبة إلى موضوع “التَّحرير” و”المحرِّر”، دَعني أُخبرك أنَّه في عام 2012، أَطلقت جماعات من الجيش الحر عمليةً أطلقوا عليها اسمَ “عملية تحرير حلب”. استمرت المعارك منذ عام 2012 حتى أواخر 2015، وما استطاعوا أن يسيطروا إلا على بعض الأحياء الجنوبية والشرقية في حلب. ذلك لأن الجيش السُّوري مدعوماً بالقوات الروسية والإيرانية تغلَّب عليهم، بل وحتى رحَّلوهم إلى إدلب. على مدى 4 سنوات لم يستطع الجيشُ الحر السيطرة على حلب، فكيف يمكن للجولاني أن يستولي عليها في ساعتين ويعتبر نفسه “حرَّرها” أو أنه “المحرِّر”؟ وعلى فكرة، الجولاني هو خيرُ من يعلم بما جرى، لأنَّه كان في قلب المعمعة (اللعبة) التي حدثت، وهو نفسه يعرف أنَّه لم يكن هناك قتال ولم يكن هناك تحرير. وهو أيضاً يعلَمُ أن 11 يوماً من القتال لا تكفيه حتى للوصول من إدلب إلى سراقب، لو كان الجيش السُّوري (النظامي) والروس يقاومونه. وبالتالي فالجولاني لم يكن محرِّراً أو ما شابه.

سؤال: يقول الجولاني إنَّ الثورة انتهَت وإنّ الدَّولة ابتدأَت. هل يعني هذا أنه هو من يمثِّل الثورة؟ وما هي الدَّولة؟ وهل يقصد بذلك أن له الحق في أن يبسط سلطَتَه على الدَّولة، بحسب الشريعة التي يريدها، على مثال الولي الفقيه الإيراني أو مرشد الإخوان المسلمين؟ ما رأيك؟
الأستاذ بدلة: من ناحية الثورة، لا يمثِّل الجولاني أو جماعته الثورة ولا علاقة لهم بها. فالثورة انتهت منذ عام 2012 لما بدأت تتسلَّح. فقد كانت ثورة سلمية ذات قيمة، في كونها شعباً قام سلمياً ضد نظام مجرم، وقاوم بأجساده. كانت هذه هي الثورة. ولكن عندما تسلَّحت صارت حرباً أهلية، صارت صراعاً على السلطة، وليست صراعاً من أجل المجتمع (السُّوري). أي لم يَعُد هدفُهم القتال لأجل أن ينتصر الشعبُ السُّوري، بل صاروا يقاتلون لأجل انتصار جماعتهم. وبالتالي هم لم يكونوا ثورةً ولم يحرِّروا. وأنا شخصياً أرى أنَّ الثورةَ إنما الآن بدأت في سوريا. فها قد بدأت تظهرُ احتجاجاتٌ، وعددٌ من الأنشطة والحراكات الشعبيَّة ضد ما تقوم به هذه الجماعات (فصائل إدارة العمليات) من تصرفات. وبالتالي هو لا يستطيع أن يقرر أنَّه ما عادت تُوجد هناك ثورة. وفي الواقع، إنَّ سيطرة الجولاني على المجتمع السُّوري محدودة. ولو كان هناك جيش سوري، ولو لم تدمِّر إسرائيلُ هذا الجيش، لأمكَن لهذا الجيش أن يقضي على فصائل إدارة العمليات، لأن هذا جيشُ دولة موجودٌ منذ عام 1946، ألا وهو الجيش السُّوري.