بقلم : فيكتور إميسايان

منذ وصول الشرع إلى دمشق، بادر الدبلوماسيون الأمريكيون للقائه بغية التعرف على شخصيته، وأيضاً لإملاء مطالب وشروط عليه، وبهذه الشروط ترتبط مساعدة أمريكا له ودعمه، خاصة في موضوع العقوبات. ومنذ ذلك الحين لاحظنا ظهور عدة مسؤولين أمريكان وفرض نفس الشروط مع ترقب أن تنفذها الإدارة السياسة الانتقالية لسوريا، دون جدوى.
ورغم أن إدارة ترامب مشغولة الآن بقضايا ومشاكل وأمور أخرى أكثر أهمية من سوريا، في مناطق مشتعلة أخرى، وتؤجل موضوع التَّدخل في شأن سوريا، إلا أنَّ الرَّسائل لا تزال تُرسِلُها إدارة ترامب إلى الإدارة السَّورية للتَّنبيه وللتَّذكير، بمعنى “نحن هنا”.

ومؤخراً، في لقاء على الهامش في بروكسيل، سلَّمت نتاشا فرانشيسكي Natasha Franceschi ، نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون بلاد الشام وسوريا، رسالةً إلى وزير الخارجية السوري، تكرر فيها أمريكا، وبلهجة حادة، مطالبها القديمة إضافة إلى قائمة شروط جديدة تطالب فها الإدارةَ السياسيةَ في دمشق بتنفيذها كاملةً مقابل تخفيف جزئي للعقبات المفروضة. وهذه المطالب بشكل خاص هي:
– منع تعيين مقاتلين أجانب في مناصب قيادية في سوريا.
– تدمير بقايا الأسلحة الكيماوية في سوريا.
– التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
– تعيين منسق اتصال سوري للعثور على الصحفي الأمريكي، أوستن تايس Austin Tice، المفقود في سوريا منذ عام 2012.
ولم تحدِّد الرِّسالةُ إطاراً زمنياً لتنفيذ هذه الشروط وأيضاً لم تُوضح أي شيء بخصوص نوع العقوبات التي سيتمُّ تخفيفها.

ومع انعقاد جلسة مجلس الأمن لمناقشة وضع سوريا، طالبت دوروثي شيا Dorothy Shea، القائمة بأعمال البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة، السطات السورية الانتقالية بالسعي لمبادرة تهدف إلى مصالحة فعلية بين السوريين، وأكدت وجوب أن يكون للعلوين والأكراد والدروز والمسيحيين دور فعلي في العملية السياسية. وقالت في خطابها أنها تتوقع أن تصغي الإدارة السورية الانتقالية جيداً إلى رسالة مجلس الأمن المتعلقة بمحاسبة من ارتكب الانتهاكات والمذابح بحق المدنيين في الساحل السوري مؤخراً، فقد قالت:
“من المهم فعلاً أن نرى جهداً تبذله اللجنة المكلَّفة بمساعدة السلطات الانتقالية في المصالحة مع المكوِّن العَلَويّ، وعلى هذه السلطات أن تقوم بعملية سياسية تشمل الأكراد والدروز والعلويين والمسيحيين، وهو ما لم يفعلوه حتى الآن”.

ومن ناحية قدرة أمريكا على عدم الانخداع وعلى التأكّد من تنفيذ هذا الشروط، فقد سمعنا، على سبيل المثال، بيتر روف Peter Roff، كبير المحررين في صحيفة نيوزويك Newsweek الأمريكية، يقول أن هذا ممكن. فمثلاً يمكن التحقق من عدم وجود مقاتلين أجانب أو مرتزقة في الحكومة الجديدة باللجوء إلى نظام تفتيش متفق عليه بين الولايات المتحدة والسلطات السورية والأمم المتحدة.
أما قمّة هذا المواجهة مع إدارة الشرع، فقد جاءت بشكل واضح وصريح في تقرير استخباراتي أمريكي، صادر عن وزارة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، نشرتهُ جريدة “كرادل” ، The Cradle، يُحمّل القوات الحكومية السورية مسؤولية “العنف وعدم الاستقرار” في سوريا، ويقول إنَّ قوات الأمن السورية قتلت أكثر من 1500 مدني علوي على ساحل البلاد في أوائل مارس/آذار. وأضاف التقرير أن “قوات الحكومة المؤقتة بقيادة هيئة تحرير الشام، إلى جانب عناصر من حراس الدين وجماعات جهادية أخرى، انخرطت في أعمال عنف وقتل خارج نطاق القضاء في شمال غرب سوريا في أوائل مارس/آذار 2025، استهدفت في المقام الأول الأقليات الدينية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص، بمن فيهم مدنيون علويون ومسيحيون”.

وجاء في التقرير أيضًا أنَّ “بعض الجماعات الجهاديَّة المتبقِّية في سوريا ترفض الاندماج في وزارة دفاع هيئة تحرير الشام، وقد أبدى داعش بالفعل معارضته لدعوة الهيئة إلى الديمقراطية، ويخطط لهجمات لتقويض حكمها”. كما يُسلّط التقرير الضوء على أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي ترأس هيئة تحرير الشام وجماعتها السابقة جبهة النصرة، “يزعم استعداده للعمل مع مختلف الجماعات العرقية والطائفية في سوريا لتطوير نموذج حكم شامل”. ومع ذلك، تُشكّك هذه الجماعات في نواياه، وبالتالي “قد تتطور المفاوضات المطولة إلى عنف”. وهذا الوضع “يُهيئ ظروفًا لعدم الاستقرار في سوريا على المدى الطويل، وقد يُسهم في عودة ظهور داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية الإسلامية”.
مع هذه المواقف المتشنجة واللهجة المتصاعدة من الإدارة الأمريكية المتزامنة مع مخرجات جلسة مجلس لأمن التي انتقدت بشدة الفظائع التي ارتُكبَت في الساحل، والإعلان الدستوري الأخرق، وعبرت عن الخشية من استمرار الإدارة السياسية الحالية في سوريا على التوجهات الإسلاموية والجهادية، تتضاءل فرص “التحايل” أو “المماطلة” أو “السيناريوهات” المفضوحة وأسلوب “تعمية الحقائق والتستر على مرتكبي المذابح الفعليين” التي تقوم بها السلطات السورية الانتقالية، ويضيق الوقت أمامها لكي تنفذ ما يطلب منها الشعب السوري والمجتمع الدولي، والخروج بالبلاد من “عنق الزجاجة”.
ولكن السؤال الأهم هو: هل ترغب إدارة الشرع السياسية أن تحقق هذه المطالب؟ وأيضاً، هل تستطيع القيام بذلك؟ هذا هو التَّحدِّي الذي لا مهرب منه.





![[وجهة نظر] : بعد الكثير مِن “ننتظرُ ونَرى”، تشكيل الحكومة في ((سوريا الوسطى))](https://syrianstoday.com/wp-content/uploads/2025/03/N-0.jpg)
